من الهجن إلى الطائرة- رحلة سعودية بين الأرض والسماء

المؤلف: منيف الحربي10.15.2025
من الهجن إلى الطائرة- رحلة سعودية بين الأرض والسماء

كلمة "المطايا" هي جمع لكلمة "مطية"، وهي في اللغة تشير إلى الحيوانات التي تُستخدم للركوب، وغالباً ما تُطلق على الإبل الأصيلة التي تُعدّ للغزو أو للترحال. كان هذا هو الحال في الماضي الغابر، قبل أن يظهر الاختراع العظيم للطائرات وتبدأ في الاستخدام في الغزوات والرحلات الطويلة.. ولكن اليوم، تحلق هذه الصورة في الذاكرة، لتجسد لنا كيف كانت رحلة السعوديين بين الأرض والسماء.

في كتابه القيم «من الجمل إلى الطائرة»، يروي لنا حمزة الدباغ (الذي يُعتبر أول مراقب جوي سعودي في عام 1950م) قائلاً:

«عندما أجدني محلقاً فوق مياه المحيط الأطلسي على متن طائرة بوينج 747 ضخمة، أتذكر تلك اللحظات الثمينة التي رافقت فيها عائلتي لأداء فريضة الحج المباركة على ظهور الجمال الأصيلة عندما كنت يافعاً، وفي عام 1984م، كنت أتقلد منصب ممثل المملكة العربية السعودية لدى منظمة الطيران المدني الدولي في مدينة مونتريال الكندية، وتلقيت دعوة كريمة من الولايات المتحدة الأمريكية لرؤساء الطيران المدني في مختلف الدول الآسيوية والأفريقية. وفي ختام هذه الزيارة، أقامت أكاديمية أوكلاهوما احتفالاً بهيجاً للوفود المشاركة، وطُلب مني أن أتحدث عن مسيرة الطيران في المملكة العربية السعودية. في تلك اللحظة، استرجعت في ذهني قصة الحج على ظهور الإبل، والتناقض الكبير والواضح بينها وبين ركوب طائرات الجامبو العملاقة في سماء المحيط الشاسع. فشرعت في تسليط الضوء على هذه التجربة الفريدة التي ربما كنت الوحيد الذي خاضها بين الحضور، ولاحظت الدهشة والاستغراب على وجوههم وهم يستمعون إلى قصة التحول الهائل الذي حققناه، والانتقال السريع من الوسائل البدائية القديمة إلى الطائرات الحديثة، دون المرور بمرحلة التدرج باستخدام السيارات والقطارات».

إن كلمات حمزة الدباغ -رحمه الله- ما زالت تتردد في ذهني، بينما أشاهد على جانبي الطريق المؤدي إلى مطار الملك خالد الدولي شاشات اللوحات الرقمية التي تعلن عن قرب انطلاق «مهرجان خادم الحرمين الشريفين للهجن» المُقام هذه الأيام في منطقة الجنادرية، حيث يقع هذا الميدان العريق بجوار مطار العاصمة منذ أكثر من نصف قرن، وكأن هذا التجاور بين ميدان سباقات الهجن ومدرجات المطار يؤكد على الرمزية العميقة لهذه الثنائية في تاريخ الوطن، ويعكس في الوقت نفسه هوية الأرض الطيبة ومسيرة الإنسان السعودي.

إن رمزية الجمل والطائرة تختزل لنا المشهد بأكمله، فالحضارة العظيمة التي نشيدها اليوم ليست مجرد نسخة مكررة أو دخيلة، بل هي حضارة أصيلة قامت على جذور عميقة ضاربة في أعماق التاريخ. فإنسان هذه الأرض سار على أرضها الطيبة ليعمرها ويزدهر بها، ثم حلق في سمائها الواسعة لكي يعانق أقمارها ونجومها.

لقد انطلق الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- من الكويت برفقة رجاله الأوفياء الأربعين على ظهور المطايا، أو ما يُعرف في لهجة البادية بـ "الجيش". واليوم، تحظى رياضة سباقات الهجن برعاية كريمة واهتمام بالغ من القيادة الرشيدة، ويقوم الاتحاد السعودي للهجن، بقيادة صاحب السمو الأمير فهد بن جلوي (رئيس الاتحاد)، بجهود جبارة ومتميزة في تنظيم المسابقات في مختلف أنحاء المملكة. وعلى رأس قائمة هذه المنافسات يأتي مهرجان خادم الحرمين الشريفين للهجن بالجنادرية، بالإضافة إلى مهرجان سمو ولي العهد للهجن في الطائف، واللذان أصبحا عنواناً للفخامة والإتقان في التنظيم على مستوى العالم، ومقصداً للإثارة والتنافس الشريف بين المتسابقين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة